آخر الأخبار

news

سنكون حيث يجب ان نكون: أوكرانيا ليست بعيدة

سؤال يطرح نفسه في هذه الأيام في أروقة سياسية وإعلامية ودبلوماسية محددة حول احتمال مشاركة حزب الله في الحرب الدائرة في أوكرانيا إلى جانب الروس إذا طلب الأخير منه ذلك.
لغاية الساعة لا شيء يوحي بأن موسكو قد تطلب من حزب الله المساعدة، لكن يبقى الأمر واردا بحسب تطورات الأوضاع العالمية.
فالسؤال المطروح يقودنا إلى التأمل في آليات تفكير وعمل حزب الله في التعاطي مع الأحداث التي يرى أنه معنيا بها سواء وقعت داخل حدوده أو خارجها، وإذا ما أردنا أن نتلمس جوابا حيال الإشكالية المطروحة علينا أن نسترجع خطاب حزب الله في تحديد المواقف الواضحة سيما التي تأتي على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله الذي يحدد بدقة سياسات الحزب في كل ما يتعلق بالأحداث مهما كان نوعها أو تأثيرها.
ولا بد من الإشارة بداية إلى أن حزب الله لم يشكل في تاريخه قوة مرتزقة تقاتل بالأجرة، بل مثل نموذجا فريدا للقوة الوطنية المقاتلة والمدافعة عن الوطن والحامية له في وجه كل التحديات سواء الإحتلال الصهيوني أو الجماعات الإرهابية، معتمدا في ذلك على عناصر وطنية صرفة لبنانية خالصة كموارد بشرية، ومساعدات تقنية منها ما هو مستورد من مصدرين على الأقل، إيران وسوريا ومنها ما هو محلي الإنتاج والصناعة وهذا جهد يبذل بطريقة منهجية.
لكن ماذا عن إتهام حزب الله في قتاله خارج الحدود لإسقاطه على احتمال ذهابه إلى أوكرانيا؟
الجواب أتى حاسما على هذا السؤال من قبل السيد حسن نصر الله عندما قال:” سنكون حيث يحب أن نكون”. والمقصود به أن الأمن القومي للبنان يتطلب أحيانا القتال في الأماكن التي يمكن أن تشكل خطرا على هذا الأمن، كإجراء وقائي وهذا ما تفعله دول عدة وحركات مقاومة في العالم.
وبالتالي فإن هذا الإجراء يصبح أمرا واقعا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وإذا كان الأمر يشكل مصلحة وطنية وتقنية وتوظيفية يخدم خطط المقاومة في قتال العدو الصهيوني.
لقد كان لتدخل حزب الله المعلن في القتال إلى جانب الشرعية السورية بناء على طلبها، نتائج غاية في الأهمية أكدت الأيام صوابية القرار الذي اتخذته قيادته، وأبرزها كما أسلفنا أن حمت لبنان وأبعدت الأخطار عنه وأفشلت مخططات كارثية كانت لتصيب شعبه. وثانيا أنها أكسبت المقاومة خبرات وتجارب جمة على المستوى العسكري والتقني استفادت منها في مواجهة العدو الصهيوني، وهذا ما شكل كابوسا أرق الإحتلال ولم يزل لغاية اليوم.
إذا فإن كل ما يخدم مصلحة المقاومة في تطوير قدراتها من أجل حماية لبنان فإنه من الواضح أنها ستفعله وبالتالي، ستكون حيث يجب أن تكون بلا عبث بل لغاية معروفة وواضحة، فإذا ما استدعت الحاجة لأن تكون موجودة في أوكرانيا او أي بقعة في العالم ستفعل بلا تردد.
لقد خبر الروس العلاقة مع حزب الله خصوصا في الميدان السوري وابدوا اعجابا كبيرا باداء الوحدات القتالية لعناصر المقاومة في كثير من المحطات الصعبة جدا وفي معارك مفصلية، الى حد انهم عبروا عن شعورهم بالثقة والأمان والنصر في قتالهم جنبا إلى جنب مع عناصر الوحدات المختلفة لحزب الله لا سيما عناصر النخبة، وقد دهشوا بما يتمتع به هؤلاء من روح معنوية عالية وكفاءة قتالية لا توجد حتى لدى جيوش ووحدات قتالية لدول عظمى، الأمر الذي كسب احترام وتقدير القيادات الروسية السياسية والعسكرية وعلى أعلى مستوى، وجعلت العلاقة بين الطرفين متينة تخطت مفهوم العلاقة الظرفية إلى ما يشبه العلاقة الاستراتيجية، وما الحفاوة التي استبقل بها وفد حزب الله برئاسة القيادي البارز النائب الحاج محمد رعد لشهور خلت إلى موسكو إلا تأكيدا على عمق هذه العلاقة.
ولأن موسكو تدرك أهمية حزب الله في المعادلات السياسية والأمنية على مستوى المنطقة والعالم، فإنها لن تتوانى عن طلب المساعدة إذا طال أمد القتال في أوكرانيا، كونها بحاجة إلى خبراء متمرسين في القتال المتنوع في بيئات وجغرافيا متناسبة، فحزب الله لا يجيد قتال حرب العصابات فحسب بل وبات لديه خبرة واضحة في الحروب الكلاسيكية والجبهوية كحصار واقتحام المدن والبلدات صغيرة كانت أم كبيرة بنسق الجيوش الحديثة، فضلا عن خبرته الواسعة في مجال التخطيط العسكري واستعمال أحدث وسائل التكنولوجية العسكرية والحرب الالكترونية. ولا ننسى ان ما أنجزته وحدات صغيرة من الحزب في معاركها ضد الكيان الصهيوني وضد الارهاب، عجزت عنه قطعات كبيرة من جيوش في المنطقة.
صحيح أن روسيا تمتلك ثاني أكبر جيش في العالم، ولديها نخب وقيادات وضباط وجنود على اعلى مستوى من الكفاءة، لكن ذلك لا يعني ان الحروب تحسم وفق هذه المعادلات، بل أحيانا كثيرة تتوقف نتائج المعارك على تفاصيل دقيقة ترتبط بالعقيدة الحربية وهو متوافر لدى الروس، لكن مع سؤال حول الأداء التاريخي لهيئة الأركان منذ الإمبراطورية الروسية مرورا بالاتحاد السوفياتي وصولا إلى روسيا بوتين، حيث الأداء وإن تحسن قليلا لكنه غير مشجع تاريخيا، وثمة أمثلة كثيرة حول ذلك.
وبالتالي في حال توفرت قاعدة مصلحية للطرفين روسيا وحزب الله في المشاركة في القتال الدائر في أوكرانيا، فإن حزب الله لن يتوانى عن الإشتراك في الحرب من ضمن جبهة تضم محور المقاومة ضد محور أميركا والغرب يؤدي وظيفة محددة في الزمان والمكان وعلى القطعة. فالمقاومة تحتاج باستمرار لتنمية قدراتها العسكرية والفنية وتطويرها كما أنها تحتاج إلى نسج علاقات سياسية توفر لها بيئة مؤاتية تساعدها في حربها ضد أعدائها حاليا وفي المستقبل، صحيح أنها لا تتوقع الآن موقفا روسيا متقدما ضد إسرائيل لكن من الحكمة الإستمرار في الرهان على تغيير السلوك الروسي في المستقبل لصالحها.
ويبقى الأهم ألا ننسى رؤيوية قيادة حزب الله عندما أصرت بوعي على القول أننا سنكون حيث يجب أن نكون، ومن ضمن الاحتمالات الإستراتيجية بحسب تطورات الحرب فان المقاومة جاهزة لخوضها ضد العدو من لبنان إلى أوروبا لما لا فدعونا نراقب.

أترك تعليق

لن يتم مشاركة بريدك الإلكتروني مع اي جهة أخرى - الرجاء مراجعة سياسة الخصوصية للموقع