في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2022 أجرى مركز ويلسون في واشنطن مقابلة مع باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركية التي قالت في معرض تعليقه على الوضع اللبناني: “أنه سيتعين على اللبنانيين تحمل المزيد من الألم وأن لا حل داخلي في لبنان إلا بإنفجار الشارع الذي عاجلاً أو آجلاً سوف ينفجر، وأرى سيناريوهات عدة، التفكك هو الأسوأ بينها، وقد تفقد قوى الأمن والجيش السيطرة وتكون هناك هجرة جماعية”، المخطط الأسود الذي رسمته باربرا ليف تحت شعار الإنهيار مطلوب لأن البناء من تحت الرماد أفضل، هو نفسه إنعكاس لكلام ديفيد شينكر مساعد ديفيد هيل سابقاً الذي قال “إن إضعاف حزب الله يستدعي تحويل لبنان إلى رماد ثم بناءه من جديد”، لذا باشر رأس حربتي السيناريو الأسود القاضي طارق البيطار وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة التنفيذ العملي لمخطط تحويل لبنان إلى رماد.
بعيد مغادرة الوفد القضائي الأوروبي وبالتزامن مع تسهيل حاكم المصرف المركزي رياض سلامة لمسار تفلت سعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية التي إنهارت قيمتها بشكل غير مسبوق إلى مستويات تنذر بإنهيار كامل وكارثي، خرج القاضي طارق البيطار وبعد أكثر من سنة على كف يده في ملف التحقيق في إنفجار المرفأ، معلناً الأمر لي، فباشر إنقلابه القضائي معيداً صب الزيت على نار التحقيق في انفجار المرفأ، فاندلعت حرب قضائية طاحنة تدور رحاها داخل القضاء اللبناني، حيث وصلت إرتدادتها إلى العواصم الغربية التي تعمل على إستغلال كل حدث منذ ما بعد التحرير عام 2000، فباشرت العمل على ترويج الذهاب نحو مجلس الأمن الدولي لطلب تشكيل محكمة دولية للتحقيق في انفجار المرفأ، على غرار المحكمة الدولية في قضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري التي إمتصت من أموال اللبنانيين أكثر من مليار دولار، وأدخلت لبنان في حالة الفوضى والإنقسام السياسي الحاد الذي أدخل لبنان في اخطار كبرى أقلها عودة مشاريع التقسيم والفدرالة.
هذه المشاريع التقسيمية أعادت إستحضار الأدوات نفسها التي كانت تطرح التقسيم ومشروع الدويلة إبان الحرب الأهلية في سبعينات وثمانينات القرن المنصرم، لتلوح وتهدد على لسان المتحدث الرسمي بإسمها سمير جعجع من جديد بهذه المشاريع المشبوهة المدعومة صهيونياً وغربياً، ومساندتها من بعض المرجعيات الروحية التي حولت الصروح الدينية إلى منابر للتحريض، ودعوة الخارج لإنتهاك وإستباحة السيادة الوطنية وتقديم أوراق إعتماد لمشاريع التدخل الدولي والوصاية الدولية والحياد “الايجابي”، وتطبيق القرارات الدولية وتحديداً القرار 1559 ولو استوجب الأمر الاستعانة بصديقهم العدو الصهيوني.
كما عمدت بعض القوى السياسية كالقوات اللبنانية إلى التزود بالسلاح وفتح معسكرات التدريب حيث جاهر بعض قياداتها بالإعلان عن جهوزية 15000 مقاتل على أهبة الإستعداد للإنحراط في أية مواجهة داخلية، إضافة إلى النشاط العلني الذي تمارسه إحدى الجماعات المسلحة باسم “جنود الرب” والتي يظهر هيكلها التنظيمي انها منظمة تديرها قيادة مركزية تضم بعض وجوه ميليشيات الحرب الأهلية، كل ذلك وأمور أخرى تظهر أن أمر عمليات تسعير الفوضى وتسريع الانهيار قد بدأ.
وعليه ستشهد الايام المقبلة وقائع وتطورات تزيد من عمق الإنقسام الداخلي في ظل الفراغ الرئاسي، وحكومة تنقسم القوى السياسية حيال شرعيتها ودستورية قراراتها، وإنعدام الخدمات الأساسية وإنهيار القطاعات العامة، وتدخل الدول الغربية في عمل الأجهزة العسكرية والأمنية بعناوين المساعدات المالية، وإستمرار تحرك العديد من السفراء الأجانب الذين يعدون المائدة السوداء، ويمارسون حقدهم بالتحريض وإثارة الفتن بتصريحاتهم السامة، لذا بات لازماً إجتراح مقاربات مختلفة لا تشبه تلك التي اعتمدت في الإستحقاقات السابقة والتي فتحت الباب على مصراعيه لكل من هب ودب.
هل من يسمع ويبادر؟
على حافة الحرب: الكيان الصهيوني ومحدودية الخيارات / د. محمد سعد
Mar 30, 2023